ميته

السبت، 15 أكتوبر 2011


رمت حقيبة يدها في حجري بعد أن فتحت لها الباب وهي تتأفف من رحلتها: " لن أعود لتلك البلدة من جديد انتهى الأمر بالنسبة لي ، تقاسم الدور أنت وبقية إخوانك " .

تلك كلمات أختي الكبيرة التي كانت تقضي أسبوعاً في شقة جدتي التي ترفض مغادرتها ، بحجة أن ذكرياتها تملأ المكان وهي تعيش عليها الآن وتقتات منها ، رائحة الأمس تستنشقها نحو أعماقها لتبعث فيها الروح من جديد كلما شعرت بضيق في تنفسها ، لا أعلم ما هو حال تلك الشقة الآن ! فأنا لم اذهب لها منذ فترة طويلة ،
وجاء الوقت لقضاء أسبوع كامل برفقتها .

حاولت مراراً الإفلات من هذه الرحلة الإجبارية ، إلا أني هذه المرة لم أتمكن ، كل شخص لديه مسئولياته . الشخص الوحيد الذي لم يكن يتذمّر من هذه الرحلة هو أخي الذي يكبرني بسنتين ، ولأني في حالة عدم توافق معه، لم أطلب منه أن ينوب عني هذه المرّة .

شارع عام يربط بعض المدن ببعضها ، على جانبيه بعض البيوت الصغيرة ، ومجموعة عمائر لا تتجاوز الطابقين ، وبعض المحلات التجارية ، أغلبها لخدمة المارة على ذلك الطريق ، ينقصها الكثير لتكون بلدة ، لكن اسمها على الخريطة يجعل منها أن تكون كذلك ، ربما هي مكتفية بوضعها على الخريطة ولا تهتم لبقية التفاصيل ، العجيب أنها منزوعة من قائمة التعداد السكاني .

منذ أولى خطواتي داخل المبنى الذي تسكنه جدتي والضجيج يملؤه ، سبّ وشتم بكلمات دائماً المقصود بها أنثى ، فالعهر لا يأتي للرجال ولا التهمة بالدعارة ، توقعت من هذه الألفاظ أن قتيلاً سوف يصادفني على عتبات السلم الذي أصعده ، لكن الأمر لم يتعدَ أن جار جدتي في الشقة المقابلة ، صوته خرج عن حدود مكانه وأصبح للجميع بدون تعمد منهم في الحصول عليه .

تحتضن طفليها في منتصف المسافة بين الشقتين وهو يكيل لها التهم وتارة يصفها بالحقيرة ، لم يتوقف حتى أثناء مروري بجوارهم ، بل زاد برفع صوته عليها ، وعيون الأطفال ترتقب مني خلاصاً . لكن نظراتي سقطت على عيون تلك السيدة ، كانت باردة في كل شيء متبلدة من الأحاسيس ، برغم أنها عيون لا تحمل إثم الخطيئة ، إلا أن الغد يخيفها أكثر فيجعلها تصبر على هذا الوضع .

لم أجد في الشقة أي شيء يختلف عن السابق كما هي منذ تركتها من فترة طويلة غير أني هذه المرّة عدت أبحث عن رائحة الجنس بداخلها ، أشتم بعمق وتأمل في زوايا وأركان الغرف أبحث عن لقطة أشاهد فيها جدي بوضع غير الذي عرفته عليه ، أبحث عن شبابه وعنفوانه ورغباته وجموحه .

الليل مختلف ، ضحكات غنج تلك السيدة يثير سكون الليل في البلدة ، وكأنها لم تكن تلك المهانة في النهار ، يبدو أن هناك اتفاقٌ مبطنٌ على تقاسم اليوم ، وربما يجدون متعة ولذة في ذلك ، أراقبها وهي تتحدث إلى أطفالها وهم يلعبون في المساحة بين الشقتين من ثقب الباب " العين " ، ملابسها الشفافة تُظهر كل بروز في جسدها ، تتكئ على الباب بعد أن تلصقه بالجدار ليظهر كل شيء بداخل شقتها في حدود العرض الذي يشكله تسرح بالنظر إلى أطفالها في لحظات ارتخاء لجسدها وكأنها دمية كبيرة الحجم ، تذهب إلى الداخل بعد أن تشد ملابسها إلى الأمام وبحركة بطيئة تتقدم لتعود مرة أخرى إلى الحال الذي كانت عليه ، اشعر أنها تعرف أني من دائرة ضيقة أراقبها فتزيد في إغرائي ، وأنا في حيرة بين جسد ملتهب ، بقبضتي أمسك بجزء منه ، وفكرة تشتت كل احتواء أقوم به لذلك الجسد ، ليت لي عينين خلف رأسي أراقب بها قدوم جدتي .

تتأفف وكأنها تقول : " ألم تنتهي حتى الآن ؟" ، يبدو أن أخي يترك لها إشارة تدل على أنه انتهى ، لكني لا أعرف ما تكون ، ربما طرق أو مجموعة طرقات على الباب الذي احتضنه ، عرفت الآن لماذا هو لا يتذمر ، يجد له متعة أسبوع ، لكن هل كانت تمنحه أكثر من ذلك ؟! . ينتهي المشهد بتجميع أطفالها وإغلاق الباب بشدة ، ولا انتهى من أي شيء أحمل رغبة يشتتها الخوف و يبعثرها ، لم أحصل على شيء .

التقينا الصبح في المكان الذي جمعنا أول مرة ، نفس الأشخاص أطفال وزوجة ووغد وأنا ، لكنه هذه المرة حينما راقب تركيزي عليها ، نظر وخاطبني باحتقار: " يا صبي هذه الحقيرة تستطيع أن تبتلعك من أحد ثقوبها "
لم ألتفت له وبقيت أنظر لعيونها الباردة أحدثها بـ" أنت امرأة ميتة" .

0 التعليقات:

إرسال تعليق