لماذا خلف الجدار ؟


-1-
حينما اكتمل الصف الأول من لبنات الجدار
كنت في حيرة شديدة من أمره ..

- لماذا يبني جدي الجدار هنا ، فـ مكانه لا يحمل أي فائدة ممكن أن أخرج بها ؟


نظراته لا تعطيني سوى بعض كلمات متقطعة " خوفك ، رائحة العفن ، المرض ، البرد " لا تعني أي شيء مالم أعلم ما يكون سر ذلك الجدار ، مثل تلك الغرسات التي تركتها بيدي حتى طلعت عليها الشمس ولم أكن أعلم " أن ضوء الشمس يُفقدها الحياة "

حينما وصل إلي الصف الأخير أخبرني لماذا يوجد هنا الجدار .

-2-

أول ليلة أقضيها مع جدار بناه جدي ، كنت أحلم بتجربة سريعة له ، شربت من الماء بقدر يفوق حاجتي ، لم أستطع الأنتظار طويلا ، بدأت بالذهاب له مراراً ولم أشعر بأي لذة في ذلك الوقت ، ربما ياتي في وقت لاحق
في سكرة نوم قاومت الخروج منها بسبب ألم أحاول التخلص منه خلف الجدار ، وقفت هناك أسكب ذلك الألم بنوع من اللذة وأنا أسمع صوت ارتطامه بـ صخور الجدار ، يكسر سكون الليل ، ويجعل بعض الحشرات تقف ساكنة لتتعرف على مصدر ذلك الخطر القادم .

تلفحني نسمات شتاء بارد على تلك المنطقة المكشوفة من جسدى ، أتحسسها فـ أجدها على غير ما عرفت من قبل ازعجتها البرودة فـ انكمشت على حالها لتحصل على الدفء ، أكثر ما كان يشغل همي في تلك اللحظات أن تشاهدني أنثى في ظلمة ليل يشتتها البدر ، وقتها لا أعرف كيف اقنعها أن الوضع ليس كما رأت


إنه الشتاء..


-3-

أجدني مع نفسي هناك في حديث صامت يحمل التأمل في جسدي المخلوق من طين
هكذا تعلمت في المدرسة ، وهكذا يردد جارنا العجوز في أغلب جلساته مع جدي أثناء شرب شاي الظهيرة ، " سنعود لها " ويشير نحو الأرض وكأنه يهددني .

كنت أقول له لو أن هذا الطين خلطته بالماء الذي أخرجه من جسدي ونفخت فيه من روحي
- هل سيكون بشر مثلكم يموتون ويستمنون ؟
وقبل أن أحصل على شتيمة رجل عقيدته سليمة ، أستطرد بسؤال آخر عن أنثاه ،
- هل كنت ترضيها جسدياً ؟
- لماذا مكمن أولادك خارج جسدك ؟
لا يعرف ماذا اقصد بالسؤال الثاني ولا يحب أن يعرف ، يشغل نفسه بالتفاخر بـ ماض يتحدث فيه عن بطولاته مع إناث يتذكرن جودا منه .


-4-

بـ النهار هناك فرصة للتأمل في الجدار بشكل جيد في تلك الثواني التي اقضيها خلفه
ليس هناك شكل محدد للصخور ، فهي تتفاوت في الحجم و قياسات الأبعاد ، بالنادر ما تجد كم قطعة متساوية الشكل .

ما لفت نظري ، تلك التي بارز منها نتوء عجيب وكأنه حَلمة صدر أنثى لم تتجاوز العشرين ، منحوتة على يد رجل خبير ، لا أستبعد ان جدي في لحظة عودة للماضي ، رحل مع لذة تلك السنين ، لـ أجد أن آثار الاثم بقيت عالقة على تلك الصخرة ، لم يدرك أنه تركها هناك لتكشف عن رغبات رجل مُسن .




-5-
حين أجلس في خلوة على سفح جبل أتذكر هايدي وجدها وبيتر والعنزات والجبن ، كل هذه تربطني بالماضي ، بالصغر ، بـ أيام بعيدة .

جدي الذي يعرف كل شيء ، هكذا كنت اعتقد ، أحيانا كنت أتمنى أن يفشل في بعض الأمور حتى أجد في ذلك نوع من عدم الخوف وأنه ليس من الملائكة أو شيء من هذه الكائنات ، فترة صغر لست محاسب على شيء فيها ، لكنها الأيام التي تحمل الكثير وبينها الكثير ، وقفت معه مرّة على غرسات نأخذها ، ونملأ بها مساحات كبيرة من الأرض تغطيها المياه ، سرقت زمن من ليل لم أنم فيه كفايتي ، لكن الفجر أدركني وأنا أحمل بعضاً منها بين يدي وطلعت شمس النهار علينا ، وحين هممت بغرسها ، قال أتركها " إن ضوء الشمس يفقدها الحياة " ، كانوا يعلموننا أن الشمس تهب الحياة ، وأنها جزء مهم من يومنا ، لابد أن نصافحها ونتلون بخيوطها ، لكن جدي يقول أنها تسلب الحياة ، وأن ما بيدي لا استطيع أن أبعث فيها الحياة من خلال غرسها في ذلك المسطح المائي ، لأني أصبحت مكشوفاً وأصبحت ظاهراً لأن الضوء يكشف حقائقنا مهما حاولنا أن نندس خلف الجدران وفي الظلمة .

لا أبحث عن الحقائق ، ولست مهتماً بمعرفة ماذا يخبئ لنا القدر ، لأنه القدر والمفروض أن يأتي فجأة ، ذلك يشبه حين أري جداراً وأفكر ما الذي يجب أن يكون خلفه أو بطريقة أخرى ماذا يوجد خلفه ، والفرق واضح بين ماذا يجب وما هو ، قد نخمن ونتعثر مع بعض التخمينات لكننا نستطيع بعدها أن نرى هل نحن على حق أو لسنا كذلك ، بعكس القدر لا نعرف أي شيء عنه لذلك ندعو الله .
  جدي يسألني أحياناً ماذا يوجد خلف الجدار ؟
قطعاً أعرف ماذا خلفه ، هناك خلوتي وهناك أجد نفسي مع نفسي ، أحياناً تكون لغتنا هناك الهمس ، حتى لا ينتقل كلامنا في الفضاء وتسمعه الكائنات .
يسألني وهو يعلم أني أعرف ، لكنه يتوقع مني في كل مرّة جواباً مختلفاً عن سابقه ، إلا أن جوابي دائماً ثابت وهو أن هناك أشيائي مبعثرة ، وفي مرات قليلة تكون مرتبة ، لكنها ما تلبث كثيراً على هذا الحال ، أن هناك فوضى ، أو شيء لا تستطيع ترتيبه ، أو ماذا ؟
لعلي أبحث كثيراً عن أو ماذا ، هو شيء لم أصل بتفكير له ، رغم بحثي الشديد عنه ، التيه هو أقرب مصطلح لـ أو ماذا .

وقد أكون أو ماذا في هذه اللحظات .