كل الأماكن كذب

السبت، 15 أكتوبر 2011


كل الأماكن كذب

قدسيّة أرضها تمنعني من الصلاة في محرابها
أخبرتها أني نظرت إلى لوحة بفرشاتها ، قبل تسعة أشهر

بعدها انطلقت أبعثر بين اللوحات الموجودة ، ربما أجد توقيعها في زاوية لوحة تحمل قراءة مختلفة

من بعيد ..



تجد نفسك في يوم جديد ليس له معنى غير انه يوم تسير فيه نحو نهاياتك ، إذا لم يكن هو اليوم الذي تتوقف عنده ، هناك يوم قد لا تعلم بل بالتأكيد أنت لا تعلم متى يكون ، كل ما فيه انك تتوقف فيه عن المواصلة ليوم آخر ، تحبس أنفاسك فيه ، لتبدأ مشوارك مع أنفاس أخرى لا تعلم ما تكون ، حينما تشاهد أزمة العبيد على السفينة " امستاد " تدرك أننا على سفينة أيضا ونحمل معنا أزمتنا مع أنفسنا أولا ومع الآخرين ، قد تتصالح مع الآخرين بسهولة ولكنك تقع في أزمة البحث عن حلول لمشاكلك مع نفسك .

- لا تعلم ما تريد
- ولا تعلم أين أنت

وقتها تجد خياراتك قليلة وضعيفة في اتخاذ القرار المناسب لكل الأمور التي يجب عليك أن تضع لها حلولا جدّية خارجة عن إطار الشهوة التي تسيطر عليك

تطالع إشراق شمس يوم جديد ، وفي قرار نفسك أن لابد من التغيير ، تخونك تلك اللحظات لتجعلك تتخذ قرارات تعتقد أنها مناسبة وكل ما في الأمر انك في حالة نشوة ما تلبث أن تزول كلما اشتدت حرارة شمسك ، التي بدأت في لسعك بأشعتها وقتها لا تستطيع أن تنظر لها كما كانت في بدايات الصبح .

قد لا تكتشف أن فعلها ذاك هو تذمر منك ومن نظراتك لها وتأملك فيها ، تتركها وتسير نحو صباك والأحلام التي كانت فيه وتنظر إلى حالك وما يحمله من خيبات ترهقك ، تجد أن كل ابتسامة تستجلبها من الماضي تتكسر على جدران تلك الخيبات .

الأزقة والأرصفة والشواطئ والمدرسة والحي ، تكتشف أنها أماكن كلها كذب حينما تعود لها تجد أن لاشيء موجود مجرد دخان تشكل بإحجام مختلفة ، عشت فيه أيام وانقضت ، تمر عليك بسرعة حينما تتذكرها وأنت تقف على طرف ربوة تطالع منها أسفل الوادي ، والريح تداعبك والأفق لا ينتهي ، تطير نشوتك إلى الأعلى حتى أنك تمد يدك إلى السماء لتقبض منها بعض السحاب الأبيض تعجنه بين يديك ، وسرعان ما تكتشف أنك عاجز عن الاحتفاظ به ، يتسرب من بين أصابعك ولا حيلة لك .

كنت ارتجي أن اقذف حجر في البحيرة التي تجلس أمامها كل صباح تداعب بفرشاتها لوح الرسم ، أبعاد الأشياء عندها مختلفة تستطيع أن ترسم حديث المارة تحوله إلي لوحات ناطقة ومفهومة أكثر من ذلك الكلام الذي سمعناه وهو بمعني وحيد ، غير أنه على لوحتها يمكن أن نضع له مجموعة تفسيرات وفلسفة خاصة بها " هي مختلفة " لذلك كانت في المكان المختلف عن كل الأماكن ، لأنها كذب

لم تكن لوحاتها سهلة بقدر ما توحي لك من أول نظرة ألوانها ، تختصر الأشياء في لونين والأماكن بمجموعة خطوط تشكلها بحرفة تجعلك تشاهدها من الخارج والداخل في لحظات تأمل صادقة ، كل شيء تشعر بحركته وأنت تشاهد لوحة لها ذللتها بكلمة " دنيا " كنت أتساءل ..

- هل اسمها دنيا ؟
اختصرت البحث عن المعرفة لذلك بأن ناديت بعض بجعات البحيرة بهذا الاسم لكنها لم تلتفت أو يشدها ذلك الحوار الذي حاولت أن أحدثه بيني وبين البجعات ، بقيت على حالها في ذلك المكان الذي أصبحت اعشق زيارته كل صباح لأني اعتقدت أنه المكان الوحيد الذي تستمد منه أفكارها الموجودة على لوحاتها ، لم أخرج بنتيجة جيدة عن تلك الـ " دنيا " ، غير أني حاولت أن أضعه على هذا الكون الذي نعيش فيه ، أو ربما يكون أحد أسرار صمتها .

من بعد تلك المحاولة لم أجازف لـ سؤالها عن اسمها ، بقيت على وضعي ، الالتفاف حول تلك البحيرة الصغيرة مرة أو مرتين ثم الجلوس من بعيد والنظر لها حتى وقت المغيب ، ترحل ولا أعلم متى تعود ، تترك كل شيء على ما هو عليه ، الظلمة تمنحني العجز عن روية أشياءها هناك وبدايات لوحتها إن لم تكن قد ذللتها بتوقيعها ، لم أتجرأ أن اسبقها للوصول إلى ذلك المكان خوفا إن تراني وأنا أعبث و أتأمل في لوحتها ، خوفي من أن تتجه الفكرة من فعلي إلى منحنى آخر غير الذي كانت قد قررته ، ربما لأن عدم الاكتمال قد يكشف بعض الأسرار هناك وهي لم تنتهي بعد من دثره بين الألوان .

لكنها في يوم مشمس تركت المكان قبل المغيب بوقت يمكّني من مشاهدة لوحتها التي وضعت فيها أول اللمسات ، تعجبت من خروجها بهذا الشكل ، هو على غير عادتها ، حيرتني أكثر حينما رحلت وهي تنظر للمكان الذي أقبع فيه ، تفصلنا المسافات لكن نظرها كان نحوي وكأنها تقول اذهب بسرعة " تركت لك رسالة على لوحتي "

خطوات تفصلني عن اللوحة ،،
ربما بعدها اعرف ماذا تركت !


0 التعليقات:

إرسال تعليق